أغنى انسان في اليمن دون أن يكلف الحكومة شيء
يمنات
فكري قاسم
في أوقات فراغه يلهو في المزرعة ويجني أموالاً طائلة، وبقية الوقت يوزع البهجة للجميع، ولا يوم شفته ضابح أو يحسب للخسارات.
يشتري لنا كل شيء، وتشوفه يأكل كدمة وسحاوق وهو مبتسم ويعزمك بإلحاح: هيا يا عم، أمانة طعم من قلبه، وقلب “البرطي” طهور ونظيف ورأس ماله كبير جداً، وكل اللي يعرفوه يصيحوا له “يا برطي” ويرد على الكل ولا يرد أحد خائباً، وكسر راسه لو جلس يرتاح ويفصلوا النت، وهو شخص دؤوب ويحب الاحاطة بكل ما يدور في المزرعة.
اسمه في البطاقة: إبراهيم محمد الكحلاني، وله ضحكة بريئة وتدخل القلب بسرعة، والموتر حقه وسيلة نقل عامة لا تعجزها الحرب. قطعوا البترول، مشى الموتر بالكيروسين، اعتدم الكيروسين “الجاز” مشاه بتينار، وبكره بيقطعوه ويمشيه بسليط جلجل، وخدماته 24 ساعة لا تتوقف، يوصل هذا ويوصل ذاك، وما فيش حي ولا هيجة إلا والبرطي يعرفها، وما فيش مهرة إلا ويعملها لك البرطي.
يصلح شبكة الوايرلس بحرفنة عالية، ويصلح التلفزيون لو تعطل، ويفهم في الكمبيوتر، ويصلح القصب حق الماء، ويفكفك الماطور الكهربائي ويرجعه يمشي على غاز بدلاً من البترول المعدوم .. وبعد أن ينتهي من كل خدماته يطرح المدكى ويفتح من جواله أغان يمنية متنوعة ترد الروح، وتتصل به وهو يسوق الموتر يوقف يكلمك ويسجل احتياجاتك الإضافية في مفكرة التلفون وينتهي من تسجيلها يتصل لخطيبته وهو يسوق ويقولها: مالك ما تسمعيش..؟
البرطي مش هو موظف مع الدولة!
و من ثم يحدثها عن آخر أخبار الضربات الجوية باعتبار الموتر حقه طيارة تمشي على الأرض.
من بعد عقد القران تم إضافة خط رحلة جديد لموتر البرطي، وصار شهرياً يقطع المسافة من تعز إلى التربة فوق الموتر لزيارة المرة، وما عد يوصل جنبها إلا وقد هوه أغبر أدبر ورائحة التينار تسبقه إلى الباب، وهي تشوفه أوسم واحد في الدنيا.
له ثلاث سنين داخل في جمعية يوالف مهر الزواج. وقبل شهرين دفع المهر كاملاً 600 ألف ريال، وحدثني بفخر: خلاص يا عم دفعنا المهر كله، باقي حق الفستان و5 ألف ريال غلاق بدلة العرس حقي عند الخياط، ونزيد ندبر السيارة حق يوم الزفة والبرطي يروح المره، وأهه.
كان يفترض أن يتزوج البرطي هذا الشهر، لكن قرحت الحرب، وقال لي وهو يضحك: شفت الجماعة يا عم..؟ دريوا أن البرطي بيروح المرة قرحوها حرب، لكن الله ع ينصرني عليهم في المزرعة.
و أمس كان مخزن جنبي وهو قلق .. قلت له: مالك يا برطي؟ قال لي: عم ممكن أولع الماطور شويه أسقي المزرعة بس وأطفيه!
و حال انتهي من مهمته تلك عاد إلي فرحاناً يضحك، لأنه لا يزال يجني أرباحاً طائلة في المزرعة السعيدة.
من الحظوظ الجميلة في الحياة أن يصبح هذا البرطي رفيقك الذي لم يحدثك يومياً عن القناعة وتشاهده يزبط كل الخسارات بقدميه المشققتين من الريح ويعيش بسعادة لا تتوفر لدى أثرى الأثرياء في البلد.
البرطي مش هو موظف مع الدولة، ولم ينهِ تعليمه الثانوي، ولا مخسر الحكومة بأي شيء، وهو كائن خفيف على الحياة ويعمل معي “حارساً” للصحيفة، ولو غاب البرطي عنا يوم واحد نشعر بالوحشة وباليتم، وله صوت جميل، يهبط علينا كالنسيم العليل ونحن نرتكض بوعثاء العمل، وهو مخزن في مكانه المعتاد يدندن للحياة بصوته يملأ جو العمل بالوداعة.
ولد البرطي في تعز لأب من حجة وأم من الحجرية وعاش في الجحملية، وهي حارتي التي تتنازعها الآن شبح المليشيات وملامح احتشاد طائفي جعلا قلب البرطي حزين.